فصل: السنة التي حكم فيها عمير بن الوليد

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


 السنة التي حكم فيها عمير بن الوليد

ثم عيسى ابن يزيد الجلودي ثانيًا فيها قتل الأمير محمد بن الحميد الطوسي في حرب كان بينه وبين أصحاب بابك الخرمي‏.‏

وفيها أيضًا قتل أبو الداري أمير اليمن‏.‏

وفيها كانت قتلة عمير بن الوليد صاحب مصر المقدم ذكره‏.‏

وفيها خرج بلال الشاري وقويت شوكته فندب الخليفة المأمون لحربه هارون بن أبي خلف فتوجه إليه وقاتله وظفر به وقتله‏.‏

وفيها ولى المأمون أذربيجان وأصبهان والجبال وحرب بابك الخزمي الأمير علي بن هشام فتوجه علي المذكور بجيوشه وقاتل بابك وواقعه في هذه السنة غير مرة‏.‏

قلت‏:‏ وقد طال أمر بابك هذا على الناس وامتدت أيامه وحاربه جماعة كثيرة من أمراء المأمون وتعب الناس من أجله تعبا زائدًا وهو لا يكل من الخروج والقتال إلى ما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

وفيها توفي أحمد بن جعفر الحافظ أبو عبد الرحمن الوكيعي الضرير البغدادي وسمي الوكيعي لملازمته وكيع بن الجراح المقدم ذكره‏.‏

قال إبراهيم الحربي‏:‏ كان الوكيعي يحفظ مائة ألف حديث‏.‏

وفيها توفي الإمام أبو زيد النحوي البصري‏.‏

واسمه سعيد بن أوس بن ثابت الأنصاري كان إمامًا في علم النحو واللغة والأشعار ومذاهب العرب وآبائهم وأيامهم وكان ثقة حافظًا صدوقًا‏.‏

وفيها توفي قبيصة بن عقبة الحافظ أبو عامر السوائي‏.‏

هو من بني عامر بن صعصعة كان إمامًا حافظًا زاهدًا قنوعًا‏.‏

أسند عن سفيان الثوري والحمادين وغيرهم وروى عنه الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه وغيره‏.‏

وفيها توفي الوليد بن أبان الكرابيسي المعتزلي كان من كبار المعتزلة بالبصرة وله في الاعتزال مقالات معروفة يقوي بها مذاهب المعتزلة‏.‏

قلت‏:‏ كان من كبار العلماء‏.‏

ذكره المسعودي وأثنى على علمه وفضله‏.‏

وفيها توفي أبو العتاهية الشاعر المشهور أبو إسحاق إسماعيل بن القاسم بن سويد بن كيسان العنزي مولاهم الكوفي نزيل بغداد‏.‏

وأصله من سبي عين التمر ولقبوه بأبي العتاهية لاضطراب كان فيه‏.‏

وقيل‏:‏ بل كان يحب الخلاعة فكني بذلك‏.‏

وهو أحد فحول الشعراء ونسك في آخر عمره ومال للزهد والوعظ‏.‏

مات في هذه السنة‏.‏

وقيل‏:‏ سنة ثلاث عشرة ومائتين وهو الأقوى وقيل‏:‏ في جمادى الآخرة سنة إحدى عشرة ومائتين وهو الذي ذكره الذهبى‏.‏

ومدح المهدي ومن بعده من إن المطايا تشتكيك لأنها تطوي إليك سباسبًا ورمالا فإذا رحلن بنا رحلن محفة وإذا رجعن بنا رجعن ثقالا وله‏:‏ ‏"‏ الطويل ‏"‏ يا رب إن الناس لا ينصفونني فيكف إذا أنصفتهم ظلموني وإن كان لي شيء تصدوا لأخذه وإن جئت أبغي سيبهم منعوني وإن نالهم بذلي فلا شك عندهم وإن أنا لم أبذل لهم شتموني وما أحسن قوله‏:‏ ‏"‏ الوافر ‏"‏ هب الدنيا تساق إليك عفوًا أليس مصير ذاك إلى زوال الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي أحمد بن خالد الذهبي بحمص وعبد الله بن عبد الحكم الفقيه بمصر وسعيد بن سلام العطار بالبصرة ومحمد بن الحميد الطوسي الأمير قتل في حرب الخرمية وأبو الداري أمير اليمن قتل أيضًا وعمير الباذغيسي نائب مصر خلافة عن المعتصم - قتل في الحوف في حرب ابن الجليس وعبد السلام فسار أبو إسحاق بنفسه إليهما فظفر بهما وقتلهما - انتهى كلام الذهبي‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ثلاثة أذرع وستة عشر إصبعا‏.‏

مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعًا وعشرون إصبعًا ونصف‏.‏

ولاية عبدويه بن جبلة على مصر هو عبدويه بن جبلة‏.‏

أصله من الأبناء من قواد بني العباس ولاه المعتصم نيابة عنه على صلاة مصر بعد عزل عيسى بن يزيد الجلودي عن إمرة مصر في مستهل المحرم سنة خمس عشرة ومائتين ثم خرج المعتصم بعد ولايته إلى الشأم حسبما تقدم ذكره وبعد سفر المعتصم تحول عبدويه هذا إلى العسكر وسكن به على عادة الأمراء وجعل على الشرطة ابنه وعلى المظالم إسحاق بن إسماعيل بن حماد بن زيد ولما ولي مصر أخذ في إصلا ح أحوالها واثبات ما قرره المعتصم بها من الأمور‏.‏

وبينما هو في ذلك خرج عليه أناس من الحوفية أيضًا من القيسية واليمانية في شعبان من السنة فتهيأ عبدويه لمحاربتهم وجهز إليهم جيشًا فسار إليهم الجيش وحاربوهم وظفروا بهم بعد أمور‏.‏

ثم حضر إليه بعد ذلك الأفشين حيدر بن كاوس الصغدي إلى مصر في ثالث ذي الحجة من السنة ومعه علي بن عبد العزيز الجروي لأخذ المال فلم يدفع إليه عبدويه وقاتله فخرج الأفشين إلى برقة وصرف عبدويه بن جبلة عن إمرة مصر بعيسى بن منصور بن موسى وبعد عزل عبدويه المذكور عاد الأفشين إلى مصر وأقام بها على ما سيأتي ذكره فكانت ولاية عبدويه بن جبلة على مصر نيابة عن أبي إسحاق محمد المعتصم سنة واحدة‏.‏

السنة التي حكم فيها عبدويه بن جبلة على مصر وهي سنة خمس عشرة ومائتين‏.‏

فيها وصل أبو إسحاق المعتصم من مصر إلى الموصل واجتمع بأخيه الخليفة عبد الله المأمون وعرفه ما فعل بمصر فشكره على ذلك‏.‏

وفيها سار المأمون من الموصل إلى غزو دابق وأنطاكية فغزاهما وتوجه إلى الشأم ودخلها وأقام بها وكتب إلى نائبه ببغداد إسحاق بن إبراهيم أن يأخذ الجند بالتكبير إذا صلوا الجمعة وبعد الصلوات الخمس إذا قضوا الصلاة أن يصيحوا قيامًا ويكبروا ثلاث تكبيرات ففعل ذلك في شهر رمضان فقال الناس‏:‏ هذه بدعة ثالثة‏.‏

قلت‏:‏ البدعة الأولى لبس الخضرة‏.‏

وتقريب العلوية وإبعاد ثم فيها أباح المأمون أيضًا المتعة فقال الناس‏:‏ هذه بدعة رابعة‏.‏

وفيها غضب المأمون على الأمير علي بن هشام وبعث إليه عجيفًا وأحمد بن هشام لقبض أمواله‏.‏

وفيها توفي الأمير إسماعيل بن جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس أبو الحسن الهاشمي العباسي كان من أعيان بني العباس وأفاضلهم وولي الأعمال الجليلة بعدة بلاد‏.‏

وفيها توفيت زبيدة بنت جعفر بن أبي جعفر المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس أم جعفر الهاشمية العباسية واسمها أمة العزيز زوجة هارون الرشيد وبنت عمه وأم ولده الأمين محمد المقتول بيد طاهر بن الحسين بسيف المأمون وقد تقدم ذكر ذلك كله‏.‏

وماتت زبيدة وهي أعظم نساء عصرها دينًا وأصلًا وجمالًا وصيانة ومعروفًا أحصي ما أنفقته في حجة واحدة فكان ألفي ألف دينار قاله أبو المظفر في مرآة الزمان‏.‏

قلت‏:‏‏.‏

ولعلها عمرت في هذه الحجة المصانع التي بطريق الحجاز أو بعضها‏.‏

وكان في قصر زبيدة مائة جارية تقرأ القران‏.‏

فكان يسمع من قصرها دوي كدوي النحل من القراءة ولم تزل زبيدة في حشمها أيام زوجها الرشيد وفي أيام ولدها محمد الأمين وفي أيام ابن زوجها عبد الله المأمون لم يتغير من حالها شيء إلى أن ماتت في هذه السنة وقيل في سنة ست عشرة ومائتين وهو الأشهر‏.‏

وأما ما فعلته من المآثر والمصانع بالحجاز وغيره فهو معروف لا يحتاج إلى ذكره هنا وكانت مع هذا الجمال والحشمة فصيحة لبيبة عاقلة مدبرة قيل‏:‏ إن المأمون دخل إليها بعد قتل أبنها الأمين يعتذر إليها ويعزيها فيه ويسكن ما بها من الحزن فقال لها‏:‏ يا ستاه لا تأسفي عليه فإني عوضه لك فقالت‏:‏ يا أمير المؤمنين كيف لا آسف على ولد خلف أخا مثلك‏!‏ ثم بكت وأبكت المأمون حتى غشي عليه‏.‏

قلت‏:‏ ولم يكن قتل الأمين بإرادة أخيه المأمون وإنما اقتحمه طاهر بن الحسين وقتله من غير إذن المأمون وحقد المأمون عليه لذلك ولم يسعه إلا السكوت‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفى أبو زيد الأنصاري صاحب العربية بالبصرة واسمه سعيد بن أوس والعلاء بن هلال الباهلي بالرقة ومحمد بن عبد الله الأنصاري القاضي بالبصرة ومكي بن إبراهيم الحنظلي ببلخ وعلي بن الحسن بن شقيق بمرو ومحمد بن مبارك الصوري بدمشق وإسحاق بن عيسى بن الطباع ببغداد‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ثلاثة أذرع وثمانية عشر إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة ثلاثة عشر ذراعًا وأحد وعشرون إصبعًا‏.‏

على مصر هو عيسى بن منصور بن موسى بن عيسى الرافقي مولى بني نصر بن معاوية أمير مصر وليها من قبل أبي إسحاق محمد المعتصم بعد عزل عبدويه بن جبلة عنها في مستهل سنة ست عشرة ومائتين على الصلاة وسكن عيسى بالعسكر على عادة الأمراء وجعل على شرطته أبا المغيث يونس بن إبراهيم‏.‏

وفي أيام ولايته انتقضت عليه أسفل الأرض بغربها أعني بالوجه البحري وانضم الأقباط عليهم وذلك في جمادى الأولى وحشدوا وجمعوا فكثر عددهم وساروا نحو الديار المصرية فتجهز عيسى وجمع العساكر والجند لقتالهم فضعف عن لقائهم وتقهقر بمن معه فدخلت الأقباط وأهل الغربية مصر وأخرجوا منها عيسى هذا على أقبح وجه لسوء سيرته وخرج معه أيضًا متولي خراج مصر وخلعوا الطاعة فقدم الأفشين من برقة وتهيأ لقتال القوم في النصف من جمادى الآخرة وانضم عليه عيسى بن منصور هذا ومن انضاف إليه وتجمعوا وتجهزوا لقتال القوم وخرجوا في شوال وواقعوهم فظفروا بهم بعد أمور وحروب وأسروا وقتلوا وسبوا ثم مضى الأفشين إلى الحوف وقاتلهم أيضًا لما بلغه عنهم وبدد جمعهم وأسر منهم جماعة كبيرة بعد أن بضع فيهم وأبدع ودامت الحروب في السنة المستمرة بمصر في كل قليل إلى أن قدمها أمير المؤمنين عبد الله المأمون لخمس خلون من المحرم سنة سبع عشرة ومائتين فسخط على عيسى بن منصور المذكور وحل لواءه وعزله ونسب له كل ما وقع بمصر ولعماله ثم جهز العساكر لقتال أهل الفساد وأحضر بين يديه عبدوس الفهري فضربت عنقه لأنه كان أيضًا ممن تغلب على مصر‏.‏

ثم سار عسكره لقتال أسفل الأرض أهل الغربية والحوف وأوقعوا بهم وسبوا القبط وقتلوا مقاتلتهم وأبادوهم وقمعوا أهل الفساد من سائر أراضي مصر بعد أن قتلوا منهم مقتلة عظيمة ثم رحل الخليفة المأمون من مصر لثماني عشرة خلت من صفر بعد أن أقام بمصر وأعمالها ‏"‏ مثل سخا وحلوان وغيرهما ‏"‏ تسعة وأربعين يومًا وولى على صلاة مصر كيدر وعلى الشرطة أحمد بن بسطام الأزدي من أهل بخارا‏.‏

وعمر المقياس وجسرًا آخر بالجزيرة تجاه المسطاط‏.‏

السنة التي حكم فيها عيسى بن منصور على مصر وهي سنة ست عشرة ومائتين‏.‏

فيها كر المأمون راجعًا من العراق إلى غزو الروم لكونه بلغه أن ملك الروم قتل خلقًا من المسلمين من أهل طرسوس والمصيصة فسار إليها حتى وصلها في جمادى الأولى من السنة فأقام بها إلى نصف شعبان وجهز أخاه أبا إسحاق محمدًا المعتصم لغزو الروم فسار وافتتح عدة حصون ثم وجه المأمون أيضًا القاضى يحيى بن أكثم إلى جهة أخرى من الروم فتوجه وأغار وقتل وسبى ثم رجع المأمون في آخر السنة إلى دمشق وتوجه منها إلى الديار المصرية حسبما تقدم ذكره ودخلها في أول سنة سبع عشرة ومائتين‏.‏

وفيها توفي محمد بن عباد بن حبيب بن المهلب بن أبي صفرة كان من أكابر الأمراء ولي إمرة البصرة والصلاة بها وغيرها وكان جوادًا ممدحًا‏.‏

قدم مرة على المأمون فقال له‏:‏ يا محمد أردت أن أوليك فمنعني إسرافك في المال فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين منع الموجود سوء الظن بالمعبودة فقال له المأمون‏:‏ لو شئت أبقيت على نفسك فقال محمد‏:‏ من له مولى غني لا يفتقر فاستحسن المأمون ذلك منه وولاه عملًا‏.‏

وقيل للعتبي‏:‏ مات محمد بن عباد فقال‏:‏ نحن متنا بفقده وهو حي بمجده‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي حبان بن هلال وعبد الملك بن قريب الأصمعي ومحمد بن كثير المصيصي الصنعاني والحسن بن سوار البغوي وعبد الله بن نافع المدني الفقيه وعبد الصمد بن النعمان البزاز ومحمد بن بكار بن بلال قاضي دمشق ومحمد بن عباد المهلبي أمير البصرة ومحمد بن سعيد بن سابق نزيل قزوين وزبيدة زوجة الرشيد وابنة أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ثلاثة أذرع سواء‏.‏

مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعًا وعشرة أصابع‏.‏

ولاية كيدر على مصر هو كيدر واسمه نصر بن عبد الله وكيدر شهرة غلبت عليه الأمير أبو مالك الصغدي ولي إمرة مصر بعد عزل عيسى بن منصور في صفر سنة سبع عشرة ومائتين من قبل المأمون على الصلاة فسكن العسكر على عادة الأمراء بعد رحيل المأمون وجعل على شرطته ابن إسبنديار‏.‏

ثم بعث المأمون برجل من العجم يسمى بابن بسطام على الشرطة فولي مدة ثم عزله كيدر لسوء سيرته لرشوة ارتشاها وضربه بالسوط في صحن الجامع ثم ولى ابنه المظفر عوضه‏.‏

ودام كيدر على إمرة مصر إلى أن ورد عليه كتاب المأمون في جمادى الآخرة سنة ثمان عشرة ومائتين بأخذ الناس بالمحنة - أعني بالقول بخلق القرآن - وكان القاضي بمصر يومئذ هارون بن عبد الله الزهري فأجاب القاضي والشهود ومن توقف منهم عن القول بخلق القرآن سقطت شهادته‏.‏

وأخذ كيدر يمتحن القضاة وأهل الحديث وغيرهم وكان كتاب المأمون إلى كيدر ‏"‏ وقد عرف أمير المؤمنين أن الجمهور الأعظم والسواد الأكبر من حشو الرعية وسفلة العامة ممن لا نظر له ولا روية ولا استضاءة بنور العلم وبرهانه أهل جهالة بالله وعمى عنه وضلالة عن حقيقة دينه وقصور أن يقدروا الله حق قدره ويعرفوه كنه معرفته ويفرقوا بينه وبين خلقه وذلك أنهم ساووا بين الله وبين ما أنزل من القرآن فأطبقوا على أنه قديم لم يخلقه الله ويخترعه وقد قال تعالى‏:‏ ‏"‏ إنا جعلناه قرآنًا عربيًا ‏"‏ وكل ما جعله فقد خلقه كما قال تعالى‏:‏ ‏"‏ وجعل الظلمات والنور ‏"‏ وقال تعالى‏:‏ ‏"‏ كذلك نقدر عليك من أنباء ما قد سبق ‏"‏ فأخبر أنه قصص لأمور أحدثه بعدها‏.‏

وقال عز وجل‏:‏ ‏"‏ كتاب أحكمت آياته ثم فصلت ‏"‏‏.‏

والله تعالى محكم كتابه ثم مفضله فهو خالقه ومبتدعه‏.‏

ثم انتسبوا إلى السنة وأنهم أهل الحق والجماعة وأن من سواهم أهل الكفر والباطل فاستطالوا بذلك وغروا به الجهال حتى مال قوم من أهل السمت الكاذب والتخشع لغير الله إلى موافقتهم فنزعوا الحق إلى باطلهم واتخذوا دين الله وليجة إلى ضلالهم‏.‏

إلى أن قال‏:‏ فرأى أمير المؤمنين أن أولئك شر الأمة المنقوصون من التوحيد حظًا أوعية الجهالة وأعلام الكذب ولسان إبليس الناطق في أوليائه والهائل على أعدائه من أهل دين الله وأحق أن يتهم في صدقه وتطرح شهادته ولا يوثق به‏.‏

ومن عمي عن رشده وحظه عن الإيمان بالتوحيد كان عما سوى ذلك أعمى وأضل سبيلًا‏.‏

ولعمر أمير المؤمنين إ ن أكذب الناس من كذب على الله ووحيه وتخرص الباطل ولم يعرف الله حق معرفته‏.‏

فاجمع من بحضرتك من القضاة فاقرأ عليهم كتابنا هذا وامتحنهم فيما يقولون واكشفهم عما يعتقدون في خلق الله القرآن وإحداثه وأعلمهم أني غير مستعين في عمل ولا واثق بمن لا يوثق بدينه‏.‏

فإذا أقروا بذلك ووافقوا ‏"‏ أمير المؤمنين فيه ‏"‏ فمرهم بنص من بحضرتهم من الشهود ومسألتهم عن علمهم عن القرآن وترك شهادة من لم يقر أنه مخلوق واكتب إلينا بما يأتيك عن قضاة أهل أعمالك في مسألتهم والأمر لهم بمثل ذلك‏.‏

ثم كتب المأمون بمثل ذلك إلى سائر عماله وإلى نائبه على بغداد إسحاق بن إبراهيم الخزاعي ابن عم طاهر بن الحسين أن يرسل إليه سبعة نفر وهم‏:‏ محمد بن سعد كاتب الواقدي ويحيى بن معين وأبو خيثمة وأبو مسلم مستملي يزيد بن هارون وإسماعيل بن داود وإسماعيل بن أبي مسعود وأحمد بن إبراهيم الدورقي فأشخصوا إليه فامتحنهم بخلق القرآن فأجابوه فردهم من الرقة إلى بغداد وكانوا توقفوا أولًا ثم أجابوه خوفًا من العقوبة‏.‏

ثم كتب المأمون أيضًا إلى إسحاق بن إبراهيم المذكور بأن يحضر الفقهاء ومشايخ الحديث ويخبرهم بما أجاب به هؤلاء السبعة ففعل ذلك فأجابه طائفة وامتنع آخرون‏.‏

ثم كتب إليه كتابًا آخر من جنس الأول وأمره بإحضار من امتنع فأحضر جماعة‏:‏ منهم أحمد بن حنبل رضي اللة عنه وبشر بن الوليد الكندي وأبو حسان الزيادي وعلي بن أبي مقاتل والفضل بن غانم وعبيد الله بن عمر القواريري وعلي بن الجعد وسجادة - واسمه الحسن بن حماد - والذيال بن الهيثم وقتيبة بن سعيد وكان حينئذ ببغداد وسعدويه الواسطي وإسحاق بن أبي إسرائيل وابن الهرش وابن علية الأكبر ومحمد بن نوح العجلي ويحيى بن عبد الرحمن العمري وأبو نصر التمار وأبومعمر القطيعي ومحمد بن حاتم بن ميمون وغيرهم وعرض عليهم كتاب المأمون فعرضوا ووروا ولم يجيبوا ولم ينكروا فقال لبشر بن الوليد‏:‏ ما تقول قال‏:‏ قد عرفت أمير المؤمنين غير مرة قال‏:‏ فالآن قد تجدد من أمير المؤمنين كتاب قال‏:‏ أقول‏:‏ كلام الله قال‏:‏ لم أسألك عن هذا أمخلوق هو قال‏:‏ ما أحسن غير هذا الذي قلت لك إني قد استعهدت أمير المؤمنين أني لا أتكلم فيه‏.‏

ثم قال لعلي بن أبي مقاتل‏:‏ ما تقول قال‏:‏ القرآن كلام الله وإن أمرنا أمير المؤمنين بشيء سمعنا وأطعنا‏.‏

ثم أجاب أبو حسان الزيادي بنحو من ذلك‏.‏

ثم قال لأحمد بن حنبل رضي الله عنه‏:‏ ما تقول قال‏:‏ كلام الله قال‏:‏ أمخلوق هو قال‏:‏ هو كلام الله لا أزيد على ذلك‏.‏

قلت‏:‏ والإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه هو أعظم من قام في إظهار السنة وثبته الله على ذلك ولولاه لفسدت عقائد جماعة كثيرة وقد تداولته الخلفاء بالعقوبة على القول بخلق القرآن وهو يمتنع من ذلك أشد امتناع ويأتي بالأدلة القاطعة إلى أن خلصه الله منهم وهو على كلمة الحق‏.‏

ثم قال لابن البكاء الأكبر‏:‏ ما تقول قال‏:‏ أقول القرآن مجعول ومحدث لورود النص بذلك فقال إسحاق بن إبراهيم‏:‏ والمجعول مخلوق‏!‏ قال‏:‏ نعم قال‏:‏ فالقرآن مخلوق‏!‏ قال‏:‏ لا أقول مخلوق ‏"‏ ولكنه مجعول ‏"‏‏.‏

ثم وجه إسحاق بن إبراهيم بجواباتهم إلى المأمون فورد عليه كتاب المأمون‏:‏ بلغنا ما أجاب به متصنعة أهل القبلة وملتمسو الرياسة فيما ليسوا له بأهل فمن لم يجب بأنه مخلوق فامنعه من الفتوى والرواية‏.‏

ثم قال في الكتاب‏:‏ وأما ما قال بشر فقد كذب و لم يكن جرى بينه وبين أمير المؤمنين في ذلك عهد أكثر من إخباره أمير المؤمنين من اعتقاده كلمة الإخلاص والقول بأن القرآن مخلوق‏.‏

فادع به إليك فإن تاب فأشهر أمره وإن أصر على شركه ودفع أن يكون القرآن مخلوقًا بكفره وإلحاده فاضرب عنقه وابعث إلينا برأسه وكذلك إبراهيم‏.‏

وأما علي بن أبي مقاتل فقل له‏:‏ ألست القائل لأمير المؤمنين‏:‏ إنك تحلل وتحرم‏.‏

وأما الذيال فأعلمه أنه كان في الطعام الذي سرقه من الأنبار ما يشغله‏.‏

وأما أحمد بن يزيد وقوله‏:‏ إنه لا يحسن الجواب في القرآن فأعلمه أنه صبي في عقله لا في سنه جاهل سيحسن الجواب إذا أدب ثم إن لم يفعل كان السيف من جراء ذلك‏.‏

وأما أحمد بن حنبل فأعلمه أن أمير المؤمنين قد عرف فحوى مقالته واستدل على جهله وآفته بها‏.‏

وأما الفضل بن غانم فأعلمه أنه لم يخف على أمير المؤمنين ما كان منه بمصر وما اكتسب من الأموال في أقل من سنة ‏"‏ يعني في ولايته القضاء ‏"‏‏.‏

وأما الزيادي فأعلمه واذكر له ما يشينه‏.‏

وأما أبو نصر التمار فإن أمير المؤمنين شبه خساسة عقله بخساسة متجره‏.‏

وأما ابن نوح وابن حاتم ‏"‏ والمعروف بأبي معمر ‏"‏ فأعلمهم أنهم مشاغيل بأكل الربا عن الوقوف على التوحيد وأن أمير المؤمنين لو لم يستحل محاربتهم في الله ‏"‏ ومجاهدتهم إلا لإربائهم ‏"‏ وما نزل به كتاب الله في أمثالهم لاستحل ذلك فكيف بهم وقد جمعوا مع الإرباء شركًا وصاروا للنصارى شبهًا‏!‏ ثم ذكر لكل واحد منهم شيئًا وبخه به‏.‏

حتى قال‏:‏ ومن لم يرجع عن شركه ممن سميت بعد بشر وابن المهدي فاحملهم موثقين إلى عسكر أمير المؤمنين ليسألهم فإن لم يرجعوا حملهم على السيف قال‏:‏ فأجابوا كلهم عند ذلك إلا أحمد بن حنبل وسجادة ومحمد بن نوح والقواريري فأمر بهم فقيدوا ثم سألهم من الغد وهم في القيود فأجاب سجادة ثم عاودهم بالثاني فأجاب القواريري‏.‏

فوجه بأحمد بن حنبل ومحمد بن نوح‏.‏

ثم بلغ المأمون أنهم إنما أجابوا مكرهين فغضب وأمر بإحضارهم إليه فلما صاروا إلى الرقة بلغهم وفاة المأمون وكذا ورد الخبر على أحمد بن حنبل‏.‏

وأما محمد بن نوح فكان عديلا لأحمد بن حنبل في المحمل فمات فوليه أحمد وصلى عليه ودفنه‏.‏

هذا ما كان بالعراق‏.‏

وأما مصر فبينما كيدر في امتحان علمائها وفقهائها ورد عليه الخبر بموت المأمون في شهر رجب قبل أن يقبض على من طلبه المأمون وأن المعتصم محمدًا بويع بالخلافة من بعده‏.‏

ثم عقيب ذلك ورد على كيدر كتاب المعتصم ببيعته ويأمره بإسقاط من في الديوان من العرب وقطع العطاء عنهم ففعل كيدر ذلك فخرج يحيى بن الوزير الجروف في جمع من لخم وجذام عن الطاعة فتجهز كيدر لحربهم فأدركته المنية ومات في شهر ربيع الآخر سنة تسع عشرة ومائتين واستخلف ابنه المظفر بن كيدر بعده على مصر فأقره المعتصم على إمرة مصر فكانت ولايته على مصر سنتين وشهرين تنقص أيامًا‏.‏

السنة الأولى التي ولي فيها كيدر وهي سنة سبع عشرة ومائتين‏.‏

فيها خرج المأمون من مصر وتوجه إلى الشأم ثم غزا الروم وأقبل ملك الروم توفيل في جيوشه فجهز المأمون لحربه الجيوش ثم كتب توفيل للمأمون كتابا يطلب فيه الصلح فبدأ بنفسه في المكاتبة وأغلظ فاستشاط المأمون غضبًا وقصد الروم فكلموه في هجوم الشتاء ووعدوه للقابل فثنى عزمه‏.‏

وفيها وقع حريق عظيم بالبصرة يقال‏:‏ إنه أتى على أكثرها وكان حريقًا عظيمًا فوق الوصف‏.‏

وفيها قتل المأمون عليًا وحسينًا ابني هاشم بأذنة في جمادى الأولى لسوء سيرته وفيها توفي عمرو بن مسعدة بن صول أبو الفضل الصولي أحد كتاب المأمون وخاصته وكان جوادًا ممدحًا فاضلًا نبيلًا جليلًا‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي حجاج بن منهال الأنماطي بالبصرة وشريح بن النعمان الجوهري وموسى بن داود الضبي الكوفي ببغداد وهشام بن إسماعيل العطار العابد بدمشق وعمرو بن مسعدة أبو الفضل الصولي كاتب الإنشاء للمأمون - وقد ذكرناه - وإسماعيل بن مسلمة أخو القعنبي بمصر‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ السنة الثانية من ولاية كيدر على مصر وهي سنة ثمان عشرة ومائتين‏.‏

فيها اهتم المأمون ببناء طوانة وجمع فيها الرجال والصناع وأمر ببنائها ميلًا في ميل وقرر ولده العباس على بنائها وغرم عليها أموالًا عظيمة وهي على فم الدرب مما يلي طرسوس ثم افتتح المأمون عدة حصون‏.‏

وفيها كانت المحنة العظيمة المقدم ذكرها أعني القول بخلق القرآن وأجاب غالب علماء الدنيا بذلك ماخلا جماعة يسيرة وعظم البلاء بالعلماء وضربوا وأهينوا وردعوا بالسيف وغيره فلم يكن بعد ذلك إلا أيام يسيرة ومرض المأمون ببلاد الروم ولم يزل مرضه يزداد به إلى أن مات‏.‏

ذكر وفاته ونسبه هو الخليفة أمير المؤمنين أبو العباس عبد الله المأمون ابن الخليفة هارون الرشيد ابن الخليفة محمد المهدي ابن الخليفة أبي جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي العباسي البغدادي ولد سنة سبعين ومائة قبل أخيه الأمين محمد بن زبيدة بشهر عندما استخلف أبوه الرشيد وأمه أم ولد تسمى مراجل ماتت أيام نفاسها به‏.‏

وبويع بالخلافة بعد قتل أخيه الأمين محمد في أواخر سنة خمس وتسعين ومائة وغير لقبه بأبي جعفر وكان أولًا أبا العباس وكان نبيلًا قرأ العلم في صغره وسمع من هثيم وعباد بن العوام ويوسف بن عطية وأبي معاوية الضرير وطبقتهم وبرع في الفقه على مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه والعربية وأيام الناس‏.‏

ولما كبر عني بالفلسفة وعلوم الأوائل ومهر فيها فجزه ذلك لقوله بخلق القرآن فكان من رجال بني العباس حزمًا وعزمًا وحلمًا وعلمًا ورأيًا وهيبة وشجاعة وسؤددًا وسماحة لولا أنه شان ذلك كله بقوله بخلق القرآن‏.‏

قال ابن أبي الدنيا‏:‏ كان المأمون أبيض ربعة حسن الوجه يعلوه صفرة قد وخطه الشيب أعين طويل اللحية رقيقها ضيق الجبين على خده خال‏.‏

وعن إسحاق الموصلي قال‏:‏ كان المأمون قد سخط على الحسين الخليع الشاعر لكونه هجاه عندما قتل الأمين فبينما أنا ذات يوم عند المأمون إذ دخل الحاجب برقعة فاستأذن في إنشادها فأذن له فأنشد قصيدة أولها‏:‏ ‏"‏ الطويل ‏"‏ أجزني فإني قد ظمئت إلى الوعد متى ينجز الوعد المؤكد بالعهد إلى أن قال‏:‏ ألا إنما المأمون للناس عصمة مميزة بين الضلالة والرشد فقال له المأمون‏:‏ أحسنت فقال الحاجب‏:‏ أحسن قائلها قال‏:‏ ومن هو قال‏:‏ عبدك الحسين بن الضحاك فقال المأمون‏:‏ لا حياه الله‏!‏ أليس هو القائل‏:‏ ‏"‏ الطويل ‏"‏ فلا تفت الأشياء بعد محمد ولا زال شمل الملك فيها مبددا ولا فرح المأمون بالملك بعدما ولا زال في الدنيا طريدًا مشردا هذه بتلك ولا شيء له عندنا‏.‏

قال الحاجب‏:‏ فأين عادة عفو أمير المؤمنين قال‏:‏ أما هذه فنعم ائذنوا له‏.‏

فدخل الحسين فقال له المأمون‏:‏ هل عرفت يوم قتل أخي الأمين أن هاشمية هتكت قال‏:‏ لا قال‏:‏ فما معنى قولك‏:‏ ‏"‏ الطويل ‏"‏ ومما شجا قلبي وكفكف عبرتي محارم من آل الرسول استحلت ومهتوكة بالخلد عنها سجوفها كعاب كقرن الشمس حين تبدت فلا بات ليل الشامتين بغبطة ولا بلغت آمالهم ما تمنت فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين لوعة غلبتني و روعة فاجأتني ونعمة استلبتها بعد أن غمرتني فإن عاقبت فبحقك وإن عفوت فبفضلك فدمعت عينا المأمون وأمر له بجائزة‏.‏

ومما ينسب إلى المأمون من الشعر قوله‏:‏ ‏"‏ المتقارب ‏"‏ فلولا دموعي كتمت الهوى ولولا الهوى لم تكن لي دموع وكانت وفاة المأمون في يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة بقيت من شهر رجب وحمل إلى طرسوس فدفن بها‏.‏

وكان المأمون حليمًا عادلًا‏.‏

قيل‏:‏ إن بعض المشايخ كتب إليه رقعة فيها مرافعة في إنسان فكتب عليها المأمون‏:‏ السعاية قبيحة وإن كانت صحيحة فإن كنت أخرجتها من النصح فخسرانك فيها أكثر من الربح وأنا لا أسعى في محظور ولا أسمع قول مهتوك في مستورة ولولا أنت في خفارة شيبك لعاقبتك على جريرتك مقابلة تشبه أفعالك‏.‏

وكتب بعضهم إلى المأمون رقعة فيها‏:‏ إن رجلا مات وخلف مالًا عظيمًا وليس له وارث إلا طفل مرضع وإن تحكم القضاء فيه أضاع ماله وأمير المؤمنين أولى به‏.‏

قال‏:‏ فاخذ الرقعة وكتب على ظهرها‏:‏ الطفل حبره إلا الله وأنشاه والمال ثمره الله وأنماه والميت رحمه الله ورضي عنه وأرضاه وأما الساعي لي في أخذه فلعنه الله وأخزاه‏.‏

وقيل‏:‏ إنه لما مات عمرو بن مسعدة وزير المأمون رفعت إليه رقعة‏:‏ أن عمرًا المذكور خفف ثمانين ألف ألف دينار‏.‏

فوقع المأمون على ظهرها‏:‏ هذا قليل لمن اتصل بنا وطالت خدمته لنا‏.‏

وقيل‏:‏ إن رجلًا قدم إلى المأمون رقعة فيها مظلمة وكان المأمون راكبًا بغلة فنفرت منه فألقت المأمون عن ظهرها إلى الأرض فأوهنته فقال‏:‏ والله لأقتلنك قالها ثلاث مرات فقال الرجل‏:‏ يا أمير المؤمنين إن الملهوف يركب الخطر وهو سالم بركوبه وينسى الأدب هو غير جاهل به ولو أحسنت الأيام إنصافًا لأحسنت التقاضي ولأن تلقى الله يا أمير المؤمنين حانثًا في يمينك خير من أن تلقاه قاتلًا لي‏.‏

فأعجب المأمون كلامه وأمر بإزالة ظلامته‏.‏

وفيها توفي إبراهيم بن إسماعيل أبو إسحاق البصري الأسدي المعتزلي كان يعرف بابن علية وهو أيضًا من القائلين بخلق القران وله مع الشافعي مناظرات في الفقه بمصر ومع أحمد بن حنبل مناظرات ببغداد بسبب القران‏.‏

فكان الإمام أحمد بن حنبل يقول‏:‏ ابن علية ضال مضل‏.‏

ومات بمصر ليلة عرفة‏.‏

وكان من أعيان علماء عصره‏.‏

وفيها توفي بشر بن غياث بن أبي كريمة أبو عبد الرحمن المريسي مولى زيد بن الخطاب كان أبوه يهوديًا يسكن ببغداد وتفقه هو بالقاضي أبي يوسف حتى برع في علوم كثيرة ثم اشتغل بعلم الكلام والقول بخلق القرآن‏.‏

وكان أبو زرعة الرازي يقول‏:‏ بشر بن غياث زنديق‏.‏

قلت‏:‏ ذكر أن عبد الله بن المبارك رأى في منامه زبيدة وفي وجهها أثر صفرة فقال لها‏:‏ ما فعل الله بك قالت‏:‏ غفر لي في أول معول ضرب بطريق مكة فقال‏:‏ فما هذه الصفرة التي في وجهك فقالت‏:‏ دفن بين أظهرنا رجل يقال له بشر المريسي زفرت عليه جهنم زفرة فاقشعر الجلد مني بسببها فهذه الصفرة من تلك الزفرة‏.‏

وفيها توفي الشيخ الصالح الزاهد علي الجرجاني‏.‏

كان يسكن جبال لبنان‏.‏

قال بشر الحافي‏:‏ رأيته يومًا على عين ماء فهرب مني وقال‏:‏ بذنب مني رأيت اليوم إنسانًا فعدوت خلفه وقلت‏:‏ أوصني فقال‏:‏ عانق الفقر عاشر الصبر وعاد الهوى وعاق الشهوات‏.‏

وفيها توفي محمد بن نوح بن ميمون بن عبد الحميد العجلي صاحب الإمام أحمد بن حنبل كان عالمًا زاهدًا مشهورًا بالسنة والدين امتحن بخلق القرآن فثبت على السنة حتى حمل هو و الإمام أحمد في القيود إلى المأمون فمات محمد في الطريق بعانة قبل أن ينظر وجه المأمون‏.‏

وقد تقدم ذكره في أول ترجمة كيدر صاحب مصر بأوسع من هذا رحمه الله‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ثلاثة أذرع واثنان وعشرون إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعًا سواء‏.‏